الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

هل للشعب المصري حقا فى ان يحكم نفسه؟

هل للشعب المصري حقا فى ان يحكم نفسه؟

 يبدو ان التساؤل غريبا ولكنك و اذا اعتقدت ان هذا الحق ثابت للشعب المصري دون جدال او نقاش فأنت واهم و يبدو ان صراع المصالح العالمية و الاقليمية دائما يحول دون ان يتمكن شعبنا العريق من التحكم فى مقدراته ، وهذا يدعوك لان تسأل نفسك فى منتهي الهدوء هل استطاع الشعب المصري فى يوما من الايام ان يختار حاكمه بإرادته او على اقل تقدير ان يختار نظاما معينا للحكم دون تدخل خارجي ؟ و هل استطاعت الدولة المصرية ان تكون مصرية بحق تصدر قرارتها الداخلية فى مواجهة شعبيها او فى مواجهة العالم الخارجي طبقا لما تمليه عليها المصلحة العليا للسكان الاصليين لهذه البلد؟


 يبدو ان الجماعة البشرية قد اتفقت- رغم اختلافها فى كل شي- على وجوب ان تكون الدولة المصرية و منذ خضوع مصر للحكم الفارسي وجوب ان تكون هذه الدولة تعمل دائما فى خدمة احد الاقطاب العالمية وسواء كان هذا الخضوع نباعا عن الاحتلال المباشر او عن طريق تعيين عميل لهذا القطب يحصل على راتبا مقابل ان يعمل فى وظيفة حاكم لمصر لمصلحة هذا القطب ، اللهم بعض الاستثناءات و التي كان التدخل من الخارج لفرض الحق لا الباطل كما هو الحال فى الفتح الاسلامي الذي لم ننعم به طويلا حيث استيلاء الفاطميين الشيعه الاسماعيلية الباطنية على حكم البلاد و كذا الحال فى التدخل الخارجي بطريق الصدفه لانقاذ مصر و العالم الاسلامي من اخطار محدقه كحال صلاح الدين الايوبي و سيف الدين قطز و فى الحالتين لم يكن للشعب المصري دخل على الاطلاق فى وجودهما .
كنا دائما محكومين من اطراف اجنبية غريبه عنا تفرض علينا عادات و تقاليد و مصالح غريبة عنا لم تكن سببا فى يوما من الايام  سوي فى افقارنا و مص دمائنا لصالح حفنة من الافراد لم يكونوا مصريين من الاساس حتي و إن جاء الفتح العثماني و الذى انعم على الولايات الاسلامية بالوحده و القوه لصالح خلافة اسلامية جديده لم ينعم الشعب المصري بمثل هذه الخلافة التي لم تكن تبعيتنا لها اسمية فقط حيث ظل المماليك يتحكمون في البلاد من الداخل يفرضون على هذا الشعب قيم العبوديه و الخنوع لجلاديهم ارضاءا للرغبات الساديه لحفنة من العبيد.
و لكن هل كان انفجار الشعب المصري فى شكل الثوره على الظلم ينتهي حقا بحكمه لنفسه؟
خرج الشعب فى عدة ثورات خلال المائتي عام المنصرمة رافعين شعارات واحده وهي اسقاط الطاغية و البحث عن العيش و الكرامة الانسانية و كان دائما يأمل هذا الشعب فى ان يصنع نظامه بنفسه الذي يعبر عن هويته و توجهاته و لكن هل تحقق هذا حقا و هل كان نقاء ثورة المصريين سببا فى نقاء النظام اللاحق على الثورة دعونا نتأمل ثوراتنا الحديثة بهدوء.
ثورة التأسيس فى 1805 : رغم نقاءها لكن ما هو طبيعة النظام التي اتت به انه نظام محمد على الذي يجمع بين الولاء لذاته و لتحقيق رغباته الشخصية فى حكم امبراطوريه و بين الولاء الخالص للدولة الفرنسية و ذلك الي الحد الذي قضي فيه على كل ماتبقى من معالم مصريه ليصنع نظاما فرنسيا خالصا لم نتخلص منه حتي اليوم فصنع نظاما قانونيا فرنسيا و شرطه على النسق الفرنسي و بنى مؤسسات الدولة بهيكليه فرنسيه و انشئ التعليم المدني الي جانب التعليم الازهري و كان تعليما مدنيا فرنسيا من الطراز الاول حتي ان جميع البعثات كانت لفرنسا كي يكون الجيل الاول للنهضه لا يعرف سوي الثقافه الفرنسيه حتي تؤسس مصر على اسس النظام الفرنسي و نجح فيما لم ينجح فيه الفرنسيون عندما حكموا مصر فقد غرب محمد على مصر و فرنسها بأمتياز بل و انشأ اسره علويه تتأرجح بين العمالة للانجليز او الفرنسيين او الايطاليين او الالمان
الثوره العرابيه فى 1881 : رغم نقاء اهدافها النبيله و لكن تخاذل الشعب المصري عن اكمالها اتي بنتائج اسوأ مما كانت تسعي اليه فكانت الحجه القويه للاحتلال الانجليزي المباشر
ثورة 1919: رغم نبل اهدافها الشعبية و لكنها اتت بنأغلبية برلمانيه وفديه ضعيفه لم يكن لها الكلمة العليا فى البلاد بل و سيطر على الوفد اطراف دفعت المصريين الى القتال الي جانب القوات الانجليزية فى الحرب العالميه الثانية ووضعت يدها فى يد المحتل لانتهاك اتفاقية 1936 و ادخال الدبابات الانجليزية فى قلب الاراضي المصرية حتي و صلت للقصر الملكي ، كما ان نتائج هذه الثوره ابقت على النظام الملكي الذي جعل امنه القومي مرتبطا بإيطاليا تارة و بألمانيا تارة اخري .
انقلاب 1952 المؤيد شعبيا: عندما اصبح النظام الملكي حجرا امام المصالح الغربية ليس لكونه و طنيا و انما لارتباطه بمصالح الدول المهزومه فى الحرب العالمية الثانية المانيا ، ايطاليا فلم يجد من يحميه لهزيمة حلفائه فاجتمعت المصلحة الغربية على ضرورة القضاء على الاسرة العلوية و مباركة انقلاب 1952 امريكيا و سوفيتيا فى وقت واحد و عقب الانقلاب بسنوات قليلة اختار عبد الناصر تأسيس عدم الانحياز للكتلة الغربية طبعا و قرر انحياز بكل جوارحه للكتله الشرقيه فباتت مصر العدو الاكبر للمصالح الامريكية و الغربية و الذراع اليمني للاتحاد السوفيتي فى الشرق لتصدير الاشتراكية السوفيتية لمواجهة المصالح الرأسمالية الغربية ليس الا ولما كان ناصر صاحب الانتماء العاطفى للسوفيت فكان بطبيعة الحال ان يؤسس دولة مصريه على غرار الديكتاتورية السوفيتيه بل و يصدر دكتاتوريته الي العالم العربي من حوله فصنع النظام العراقي و الليبي و التونسي و الجزائري و اليمني و غيرها من افرع الحكم الناصري المستبد الذي ما صنع الا كجزء من سياسية الانتشار السوفيتيه على حساب المصالح الامريكية
و عندما تبدلت المصالح فى الشرق جاء السادات كي يبدل الولاء المصري من القبلة الي موسكو الي القبلة الي البيت الابيض ليحد من النصر العسكري الذي حققه الشعب المصري فى 1973 لان التعليمات الغربية كانت الحرب على اسرائيل من اجل السلام مع اسرائيل و ليس الحرب للقضاء على اسرائيل او النصر ساحق الموجب للهدنة و ليس السلام ، و من هنا كانت مبررات كامب ديفيد المشؤمه التي سلمت الغرب كله و ليس اسرائيل و حدها المارد المصري و ادخلته الي القمقم بغير رجعه،وهنا انتهي دور السادات كي يغتالوه كالخيل الذي تنتهي مهمته فلم يعد لوجوده فائده و يستبدلوه بعميل اخر يكون اكثر حنكه فى استعباد هذا الشعب و امتصاص مقدراته و نشر الفقر و المرض و الجهل بينه و لكي لا تقوم له قائمه يمكن ان تهدد المصالح الغربية
ثورة 25 يناير 2011 : رغم نبل و نقاء الاهداف التي قامت من اجلها و تماثلها مع ذات الاهداف التي قامت من اجلها الثورات المصريه فى العصر الحديث الا ان هذه الثوره تهدد المصالح العالميه فى مصر و باتت دول تتطلع للسيطرة هذا الشعب تسعي لفرض سيطرتها لا لشئ سوي لانها تتعارض مصالحها مع المصالح الغربية علاوه انها ترغب فى ان تذوق من الكعكه المصريه كما ذاقها الامريكان ثمانية و ثلاثون عاما .
المصالح التي تتصارع الان فى المنطقة ليست المصالح السوفيتيه و الامريكيه كما كان قديما فالحال قد تبدل و اصبح الوضع اكثر حنكه و تعقيدا فى ذات الوقت الشرق الاوسط الان تتصارعه مصلحتين لا ثالث لهما مصلحة المارد الايراني الجديد و يعاونه فى ذلك الطابور الخامس للدولة الايرانية فى كافة الدول العربية وهم جماعة الاخوان المسلمين و التي وصلت بالفعل او تسعي للوصول للحكم فى جميع الدول العربية التي قامت فيها ثورات او تضغط من اجل تحقيق ذات الغايه دون ثوره كما هو الحال فى المغرب و الاردن و يعاونهم فى ذلك الدولة ذات الولاء المزدوج قطر و عددا من الالات الاعلاميه ذات النفوذ القوي فى العالم العربي
اما المصلحة الثانية فهي المصلحة الامريكية و يعاونها فى ذلك اسرائيل و الدولة السعودية التي تمثل الخادم الاكبر للمصالح الامريكية فهي تخدمها اكثر من اسرائيل الالاف المرات لانها تستغل نفوذها الديني لخدمة هذه المصالح بعكس اسرائيل التي تمثل عدوا واضحا لا يحتاج الي ايضاح فالمملكة السعوديه تمثل رأس الحربه الاقوي لخدمة المصالح الامريكية فى المنطقة فالنظام السعودي الذي يستغل مكانة الاراضي المقدسة فى قلوب العرب و المسلمين و يبعث طابوره الخامس الوهابي فى العالم العربي وهو ما يسمي بالدعوة السلفية التي يعمل قادتها المنافين المتاجرين بالدين لتجنيد اكبر عدد من المصريين لخدمة المصالح السعودية التي لا تتواني عن مساندة جميع الطغاه فى العالم العربي حتي بعد سقوطهم لذا دائما نجد ثلاثة اطراف تتحد على هدف واحد السعوديه و الدعوة السلقية و المجلس العسكري هذا الهدف هو الولاء لنظام ماقبل الثورة و البراء من كل ما تأتي به الثوره و جميعهم يمثلون المصالح الامريكية بامتياز لان المجلس العسكري هم جميعا جنرالات البنتاجون فهم جزء من نظام مبارك العميل الامريكي
 إذن هذه هي المصالح، مصلحة ايرانيه فى ان يستبدل الحكام العملاء لامريكا  بأخرين عملاء لايران يتمثلون فى الاخوان المسلمين و كذا  مصلحة امريكية فى الابقاء على نظام ما قبل الثوره و استبدال مبارك و الحزب الحاكم باي اطراف او كيانات اخري تكن ذات الولاء لامريكا و رغم خدمة التيار السلفي للمصلحة الامريكية بشكل غير مباشر عن طريق خدمته للمملكه السعوديه الا انهم تيار مستخدم فحسب و لن يسمح له امريكيا بالوصول الي السلطة.
لكن الشواهد على الارض تؤكد ان المصالح الامريكية فى مصر الي الزوال و ذلك لضعف العميل الامريكي فى مواجهة المارد الاخواني و ذلك نظرا لان المجلس العسكري يصعب عليه صناعة البديل للحزب الوطني و لشخص بديل لمبارك و التيار الوحيد الذي يدين له بالولاء المطلق لا يرغب الطرف الامريكي فى ان يصعد الي الحكم اللهم اذا استخدم الامريكان اخر اسلحتهم بتصعيد التيار السلفي للسلطه فيما بعد و صناعه دولة وهابيه على النسق السعودي تطبق الشريعه فى الظاهر و تدين بالولاء المطلق للغرب و مصالحه و لكن الواقع يجعل من حدوث مثل هذا الاحتمال امر صعب.
فيبقى الاخوان اذا فالربيع بينهم و بين المجلس العسكري لن يدوم طويلا فالمصالح تتضارب و شهوة الاخوان للسلطه تتزايد و لن يسمحوا لاحد ان يحد منها حتي و ان كان المجلس العسكري، فهم و ان صنعوا ربيعا مع المجلس فلم يكن ذلك سوي لتحقيق مصلحتهم فى الوصول الي السلطه بشكل امن ليس اكثر لان الصدام مع المجلس كان سيطيل الامد وهذا لم يكن فى مصلحتهم .
إذا فنحن على اعتاب استبدال المصالح الامريكية بالمصالح الايرانيه التي لن يتكفل بتحقيقها على اكمل وجه سوي جماعة الاخوان المسلمين ، و إن حدث ذلك و تمكنت المصالح الايرانيه من المنطقه أو كادت فهل ستظل الولايات المتحده تنتهج الاسلوب غير المباشر فى الدفاع عن مصالحها  فى المنطقه ام انها ستلجأ للدفاع عن مصالحها بشكل مباشر على النحو الذي يجعل من الصدام الامريكي الايراني امرا حتميا .
اما الشعوب العربية و الشعب المصري فلهم الله

يحيي العطار
الاسكندرية فى 11 ديسمبر 2011

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Text Widget

Text Widget