أحمد صبحى منصور يكتب: هل سيعلن الجيش المصرى نعى الشعب المصرى ؟
أحمد صبحى منصور |
1 ـ هذا المقال كتبناه فى 10 يونية 2008 بعد تصريحات مستفزة للمشير طنطاوى فى تأييد وتقديس مبارك . ولم ينشر وقتها بسبب مطاردات مكثفة للقرآنيين فى مصر. ثم بعد اعتقال الكاتب الاسلامى الاستاذ رضا عبد الرحمن نشرت مقالا مشابها بعنوان ( تعليقا على إعتقال الاستاذ رضا عبد الرحمن : كيف انتصر جيش حسنى مبارك الشهم الشجاع (ش ش ) على الشعب المصرى؟)،وكان مقالا ساخرا حاد اللهجة شديد النبرة كما يظهر فى عنوانه ، وقد تم نشره فى الثالث من ديسمبر 2008 .
2 ـ ننشر هنا المقال الأصلى المكتوب منذ يونية 2008 مع رجاء للقارىء العزيز أن يتذكر أن هذا المقال مكتوب وقت تحكم مبارك ومعه كلاب حراسته طنطاوى والعادلى . 3 ـ أردت تعديل عنوانه ليكون ( فى الحرب الراهنة فى مصر بين جنرالات مبارك والشعب المقهور ..هل سيعلن جنرالات مبارك نعى الشعب المصرى؟ ). ولكن لكى يكون المقال متسقا مع وقت كتابته تركت العنوان كما هو .
أولا : المقال:
( فى الحرب القادمة فى مصر بين العسكر الحاكم و الشعب المقهور ...هل سيعلن الجيش المصرى نعى الشعب المصرى ؟
عناوين جانبية للمقال
1 ـ تعليقا على اعلان المشير طنطاوى بأن القوات المسلحة تساند مبارك :
هل سيحارب الجيش المصرى الشعب المصرى من أجل مبارك ؟
2 ـ بعد الذكرى 41 لهزيمة يونية هل سيحقق الجيش المصرى أعظم انتصار له على الشعب المصرى تمسكا بمبارك وابنه ؟
3 ـ بعد تصريح هيكل بأن مصر رايحة فى ستين داهية وأن نظام الحكم فيها لن يسقط بالمظاهرات الساخطة فهل سيحارب الشعب المصرى الجيش المصرى ليتخلص من الاستعمار العسكرى المحلى ؟
4 ـ هل سيختار الشعب المصرى الانتحار البطىء بالاستسلام للعسكر أوالانتحار السريع بالانتفاضة على العسكر ؟
أولا : كانت البداية بسيطة . .. ومعظم النار من مستصغر الشرر ..!!
1 ـ كانت البداية بسيطة . مجموعة من شباب الضباط المصريين الثائرين على تردى أحوال الجيش بعد هزيمة 1948 وقيام إسرائيل . أسند هؤلاء الشباب قيادتهم للواء محمد نجيب ، وقامت ( حركة الجيش ) فى 23 يوليو 1952 لإصلاح حال الجيش ، ثم فوجىء الضباط الشبان بتداعى الأحداث بسبب رعب الملك فاروق وصراع الأحزاب ، فتحولت(الحركة) إلى(إنقلاب) بمبادىء سياسية كتبوها على عجل ،ثم ما لبث الانقلاب أن تحول الى (ثورة) ارتدى فيها الانقلابيون العسكريون الزى المدنى، ولم يحدث هذا التحول بسهولة ، إذ شب صراع داخلى بين وجهتى نظر؛ يرى الضباط الشباب بقيادة عبدالناصر أن يحكم الجيش مصر عسكريا (أى أن يحتل الجيش مصر) تحت اسم الثورة ، بينما يرى الرئيس محمد نجيب رجوع الجيش لثكناته مكتفيا بدوره فى حماية مصر و ليس حكم مصر مع بقاء نظام الحكم فى مصر مدنيا كما كان بدستور وقانون وأحزاب سياسية وبرلمان حقيقى .
انتصر عبدالناصرفاعتقل محمد نجيب، وحكم العسكر مصر وحولوها إلى معسكر كبير أو(جبهة داخلية)أى تحولت مصر فى نظر الجيش إلى أرض معادية،مثلها مثل اسرائيل حيث(الجبهة الخارجية ). الجيش المصرى بهذا تخلى عن وظيفته الحقيقية وهى الدفاع عن الشعب وأصبحت وظيفته الفعلية هى الاستبداد بالشعب بقانون الطوارىء واستخدام قواته المسلحة ضد الشعب المصرى لإرهابه، فى نفس الوقت الذى فشل فيه أمام اسرائيل . أى نجح فى قهر الشعب فى (الجبهة الداخلية ) ولكن قهرته اسرائيل ـ ولا تزال ـ فى الجبهة الخارجية .
2 ـ انهزم الجيش المصرى عام 1956 ،وفى عام 1967 هزمته إسرائيل بــ 1967هدفا ضد صفر خلال عدة ساعات فى أسرع حرب شهدها العالم وأصبح بها العرب أضحوكة العالم ـ ولا يزالون ـ وهزيمة 1967 لم تشهدها مصر طوال تاريخها المديد، ولكن حققها الجيش المصرى بكل أسف حين ترك مهمته الأصلية فى الدفاع عن الوطن وتفرغ لمطاردة الوطنيين المصريين العزّل المساكين الذين لاحول لهم ولا قوة.
صحيح أن الجيش المصرى انتصر على اسرائيل فى حرب اكتوبربدرجة 5 إلى 4 ، ولكن هذا المكسب العسكرى الضئيل تحول فى المفاوضات إلى مكسب لإسرائيل بدرجة 67 ضد صفر ، لأنه كان يمكن لعبدالناصر بعد هزيمة 1967 أن يحصل على سيناء منقوصة السيادة بنفس بنود إتفاقة كامب ديفيد إذا وافق على الصلح مع إسرائيل ، أى كان سيصل على ما حصل عليه السادات بدون حرب أكتوبر .
نكرر أن الجيش المصرى حين حكم مصر وحولها إلى جبهة داخلية قد فشل فى تأدية دوره الأصلى فى حماية جبهة مصر الخارجية ، وحتى حين حقق إنتصارا نسبيا فى أكتوبر 1973 فقد أضاع ثمرته بالكامل فى مفاوضات كامب ديفيد ،أى أن الجيش المصرى قد فشل عسكريا وسياسيا فى الجبهة الخارجية (إسرائيل) ولكنه نجح فى الإنتصارعلى الجبهة الداخلية (الشعب المصرى) بإمتياز ولكن دون مرتبة الشرف،إذ لا شرف لجيش يستخدم قواته المسلحة ضد شعبه بدلا من الدفاع عن شعبه .
3 ـ فى عهد عبدالناصر كان الجيش هوالذى يحكم صراحة، فأقيمت المحاكم العسكرية للمدنيين ـ ولا تزال ـ وفتحت السجون الحربية أبوابها لتعذيب آلاف المدنيين لارهاب المصريين الغلابة ، أى أوقعهم الجيش المصرى (أسرى) فى حرب لم يشاركوا فيها ، ولم يؤذنهم بها ولم يعلنها صراحة عليهم ، بكل بساطة وبكل صفاقة ونذالة اقتحم بيوتهم وأسرهم ووضعهم فى السجون العسكرية لفرض هيبة العسكر ولإرهاب بقية جموع الشعب المصرى المسكين .
منذ عهد السادات ارتدى الجيش قفازا اسمه البوليس فتغيرت مهمة البوليس من خدمة الشعب الى قهر الشعب نيابة عن الجيش. ولكى يقوم البوليس بهذه المهمة الضخمة (مطاردة وارهاب جموع وعموم الشعب المصرى ) كان لا بد من تدعيم البوليس ليصبح جيشا (مع أنه هيئة مدنية وفق الدستور )، فتم تدريبه على نوعية خاصة من الحرب هى الحرب ضد الشعب فى الشوارع عند المظاهرات، وتدرب على قيام وحداته الخاصة والمسلحة والمدرعة باقتحام بيوت (العدو)للقبض على المساكين النيام.
ولذلك تم تدعيم البوليس بفرق من القوات الخاصة والكراتية مع وحدات من الجيش تتمثل فى فرق الأمن المركزى يبلغ عددها عدة مئات من الالوف مجهزة بمصفحاتها وآلياتها وتحت قيادة جهاز أمن الدولة الخاضع مباشرة للرئيس مبارك، وقد هزمت بنجاح ساحق عشرات المتظاهرين من جماعة كفاية كما حققت أعظم انتصار مصرى فى مطلع القرن الحالى بانتهاك حرمة الفتيات المصريات المتظاهرات وهتك عرضهن ، وبهذا النصر العظيم غسل الجيش المصرى عار هزائمه السابقة على يد اسرائيل ، وقد تم هذا النصر العظيم ـ كالعادة ـ فى إطار التنسيق مع أجهزة الجيش الأخرى من قوات مسلحة وحرس جمهورى وأجهزة مختلفة للمخابرات ، وكلها تكمن فى المؤخرة تراقب أداء البوليس وتتدخل عند اللزوم لمساعدته كما حدث فى ثورة الأمن المركزى فى الثمانينيات .
كل هذه الترسانات المسلحة بشريا وعسكريا توجه أسلحتها نحو الشعب المصرى ويتربع على قمة الهرم فيها الرئيس حسنى مبارك أعلى رتبة عسكرية فى الجيش ، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة،وهو أيضا القائد الأعلى للبوليس المصرى، والرئيس الأعلى للقضاء، وهو الذى يحكم بقانون الطوارىء بصفته الحاكم العسكرى، وهو الذى يحيل المدنيين الى المحاكم العسكرية بعد أن تهجم قواته المسلحة على بيوتهم وتأخذهم أسرى لحماية (الجبهة الداخلية).
ثانيا :ـــ كانت البداية شرارة بسيطة فكيف أصبحت مصر بعد حريق استمر أكثر من 50 عاما ؟
1 ـ تحت راية الاستقلال والتحرر من الحكم الأجنبى ترك الجيش ثكناته وحكم مصر مستبدا بالشعب المصرى،من وقتها انتهى كل شىء إلى الصفر . وبدون تكرار ما صارت إليه أحوال مصر سياسيا وعربيا واقتصاديا نعقد مقارنة صغيرة بين مصر فى مطلع القرن العشرين تحت الاحتلال الأجنبى ومصر الآن فى مطلع القرن الحادى والعشرين تحت الاحتلال العسكرى المحلى.
منذ مائة عام تقريبا وفى ظل عنفوان الاحتلال البريطانى لمصر أقيمت محاكمة لفلاحى قرية دنشواى بسبب شجار حدث بينهم وبين بعض جنود الاحتلال أسفر عن موت أحد الضباط الانجليز وجرح ثلاثة آخرين من جنوده. اجتمعت المحكمة فى 24 يونية 1906 لمحاكمة الفلاحين المصريين ، وكانت محكمة مصرية ، فرئيس المحكمة هو بطرس غالى ، ومن أعضائها فتحى زغلول شقيق سعد زغلول ، بينما قام بالادعاء ضد الفلاحين المتهمين ابراهيم الهلباوى الذى طالب بتوقيع اقصى العقوبة بالمتهمين. وجاء الحكم فى يوم 27 يونيه سريعا وجائرا إذ حكم على أربعة من المصريين بالإعدام شنقا وعلى اثنين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلى واحد بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، وعلى ستة بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات، وعلى ثلاثة بالسجن لمدة عام، مع الجلد، وبالجلد على خمسة، وقد جلد كل واحد من هؤلاء خمسين جلدة .
استغل الزعيم مصطفى كامل هذه المحاكمة الجائرة وحاكم بها بريطانيا فى عقر دارها وبالغ فى إحراج الإستعمار البريطانى ، وبمساعدة مدام جوليت آدم ، وأحرار بريطانيا وفرنسا .
ونتساءل :
أين جريمة دنشواى بالمقارنة بجرائم الجيش المصرى بالشعب المصرى منذ 1952 الى الأن ؟.وماذا كان سيفعل مصطفى كامل لو عاش وشهد ما يفعله الجيش المصرى بالشعب المصرى ؟ لو قام مصطفى كامل من قبره وشاهد ما يحدث للمصريين بعد ان نالوا استقلالهم من انجلترة فسيموت ثانيا حزنا وكمدا على جهاده (الضائع ) فى سبيل الاستقلال ، فذلك الاستقلال أزاح الانجليز ولكن جاء بالتتار والمغول.
ولو افترضنا الان أن أهالى إحدى القرى اشتبكت مع بعض جنود الأمن المركزى وقتلت واحدا منهم فماذا سيكون رد الاحتلال العسكرى المحلى ؟ أن ما حدث مع قرية سرنديب خلال هذا العام يفوق ما حدث لأهالى دنشواى منذ أكثر من مائة عام . فكيف بعشرات القرى وملايين الأسر والعائلات التى تتجرع قهر العسكر.!!وبوحشيتهم وتخلفهم وهمجيتهم ـ فى القرن العشرين والحادى و العشرين ـ نضطر الى تفضيل الاحتلال الأجنبى الأوربى عليهم رغم أنه كان يحكمنا منذ قرن من الزمان وقبل شيوع ثقافة حقوق الانسان.
2 ـ إن كل ما اقترفه الإنجليز من جرائم ليست شيئا بالنسبة الى الإيجابيات التى جاء بها الإحتلال البريطانى فى مصر.
يكفى أن أنجلترا خرجت من مصر لم تسرق منها شيئا ،بل خرجت مدينة لمصر بـ 55 مليون جنيها استرلينيا بأسعار تلك الأيام ، ويكفى أن الجنية المصرى كان فى السوق الحرة سيدا للعملات العربية ويعادل أضعاف الدولار الأمريكى. انظر الآن الى ديون مصر ونهب مصروتجويع أهل مصر وتضييع أثمن ما فى مصر : الأرض والانسان؛فقد تم تجريف أجود الأراضى الزراعية وتحويلها لمساكن عشوائية، أما الثروة البشرية التى تضاعفت خلال حكم العسكر من 24 مليونا الى أكثر من 77 مليونا معظمهم من الشباب فقد ضاعت بين البطالة والتطرف والانحلال . لو كانت هناك حكومة رشيدة قامت بتعليم وتدريب هذه الثروة البشرية لأصبحت مصر أغنى دول الشرق الأوسط.
3 ـ إن كل جرائم الأستعمار الإنجليزى فى مصر خلال سبعين عاما ( 1882-1952 ) لا تعادل يوما واحدا من جرائم الجيش المصرى فى حق الشعب المصرى خلال حكم استمر حتى الأن 56 عاما. يكفى أن الإستعمار الإنجليزى لم يقم يوما بتعذيب أى إنسان مصرى برىء لاجباره على الاعتراف كذبا بينما أصبح التعذيب هو الوسيلة المنهجية التى يستخدمها العسكر المصرى ـ بسبب وبدون سبب ـ فى قهرالانسان المصرى وقتل كرامته وآدميته ، بل أصبحت شهرة العسكر المصريين فى تعذيب الأبرياء المصريين عارا يلحق بمصر والانسانية مما جعل المنظمات العالمية لا تمل من التنديد به ، هذا بينما التعذيب فى مصر مستمر بلا خجل ولا وجل، لأنه بدونه لا يمكن لحكم العسكر أن يستمر .الإستعمار الإنجليزى الأجنبى كان أكثر تعاطفا وإحسانا بالشعب المصرى بينما لم يعرف الشعب المصرى من حكم العسكر المصرى سوى التعذيب والفقر والإهانة والعار والصفر .
4 ـ المفروض أن الجيش المصرى هو ابن أصيل للشعب المصرى واجبه أن يعمل على خدمته وحراسته والدفاع عنه،وهناك أبن بار بوالديه وهناك أبن عاق بهما،والجيش المصرى منذ 1952 وحتى الأن هو أبن عاق للشعب المصرى ،بل وتفوق بعقوقه على كل ما اقترفه الأبناء العاقون فى حق آبائهم .
ولا أملّ من ضرب هذا المثل على أمل أن يفهم البعض ممن فى قلبه مرض .
تخيل أسرة ما... تتكون من أب وأم وبضعة أبناء وبنات . قام الأب بتوزيع الأعباء على أسرته، منهم من قام بمهمة حراسة البيت والحقل ، ومنهم من اشتغل بالزراعة ومنهم من اشتغل بالتجارة .... وهكذا ، ولكن الذى أوكل به مهمة الدفاع عن الأسرة وأملاكها استخدم السلاح ضد أسرته ، فقتل أباه واغتصب أمه وأخواته البنات ، وقهر أخوته الذكور واستعبدهم واغتصب لنفسه أملاك الأسرة .بماذا تسمى هذا الإبن العاق ؟! لقد تجاوز وصف العقوق إلى ما هو أسوأ، من الخيانة والإجرام والنذالة والهمجية وكل ما هو منحط فى لغات البشر .
بالضبط هذا هو ما ينطبق على كل جيش يتخلى عن شرف خدمة الوطن وحراسته ويستبدل ذلك بالعكس وهو حكم الوطن وقهر الشعب وسلب ثرواته وكرامته .
ثالثا :ـــ فى المعركة القادمة ـ والتى سينتصر فيها الجيش المحتل على الشعب الأعزل المقهورـ هل سيصدر الجيش المصرى المنتصر بيانا فى نعى الشعب المصرى ؟
1 ـ قبيل تجديد الطوارىء على مصر فى الشهر الماضى قال القائد العام للجيش المصرى المشير طنطاوى أن القوات المسلحة المصرية تؤيد حسنى مبارك ، وهو تحذير يوجهه طنطاوى إلى الشعب المصرى محذرا بأن القوات المسلحة على أهبة الإستعداد للدفاع عن مبارك مهما فعل ومهما سرق،حتى وهو فى أرذل العمر لأنه الذى يحكم مصر بإسم القوات المسلحة المصرية منذ عام 1981 .
وفى لقائه مع نادى القضاة قال الأستاذ محمد حسنين هيكل أن مصر (رايحة فى ستين داهية) وأنه لا أمل من تغيير النظام بالمظاهرات والإحتجاجات الشعبية ،أى أن النظام العسكرى يحتكر السلاح ويوجهه نحو الشعب المصرى مصمما على الإحتفاظ بالسلطة مهما احتج الشعب بالتظاهر والإحتجاجات والإعتصامات ، أى لا سبيل للشعب الأعزل للتخلص من العسكر إلا بالانتفاضة والمواجهة العسكرية مع العسكر .
هيكل حتى الآن لم يشعر بتأنيب الضمير، فهيكل هو الذى أيد عبدالناصر وأسس له شرعية زائفة لحكم العسكر تحت زعم الوطنية و القومية والاشتراكية، وهو الآن شاهد ما انتهى اليه حكم العسكر فى مصر، وبدلا من التقييم الموضوعى لحكم العسكر الذى شهد بدايته وعاش ثماره المرة وهوالآن يشهد تخريبه لمصر ، وبدلا من أن يعترف بالخطأ بعد حوالى ستين عاما من الدجل السياسى لا يفعل هيكل شيئا سوى الاحتجاج الرقيق على حكم مبارك، ولم يقل شيئا عن الاصلاح الديمقراطى وحقوق الانسان ، فقط ملأ رءوسنا صداعا عن التآمر الخارجى ليبعدنا عن الالتفات للعدو الحقيقى القائم فينا وهو الاستبداد العسكرى المحلى الذى خرّب الوطن وقهر المواطنين .
يهمنا اعتراف هيكل الضمنى بأن تغيير النظام العسكرى لن يتأتى بالمظاهرات والوسائل السلمية ،أى لابد من تغييره بقوة السلاح لأن العسكر وصلوا إلى درجة من العناد والتمسك بالحكم تجعل العلاقة تدخل منطقة المعادلة الصفرية . أى إما أن يظل العسكر فى الحكم متمتعا بمائة فى المائة من كل شىء تاركا للشعب المصرى الصفر ، وإما أن يدمر كل شىء إذا احتج الشعب فتتحول مصر إلى صفر .
وبالتالى فإن الشعب المصرى عليه أمام هذا الوضع الإختيار بين نوعين من الإنتحار .. إنتحار بطىء بالسكون والرضى بالوضع القائم حتى يستشرى سرطان الفساد والإستبداد إلى النخاع والعظام،وانتحار سريع بمواجهة مسلحة ضد الحكم العسكرى الغاصب .
هنا نتذكر هزيمة 67 والتى مر عليها اليوم 41 عاما والتى انتصرت فيها إسرائيل على الجيش المصرى الحاكم بسبعة وستين هدفا مقابل لا شىء. لو اختار الشعب المصرى أن يتحرر من النظام العسكرى المحتل فإن الجيش المصرى سينتصر على الشعب المصرى فى تلك المعركة بنسبة أكثر من 67 هدفا مقابل لا شىء .
دعنا نتخيل أن الشعب المصرى قد اختار الإنتحار السريع والمواجهة المسلحة مع الحكم العسكرى الغاصب ، ورفع شعار الحرية أو الموت ، وغنى شعر شوقى القائل :
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق .
دعنا نتخيل ما سيقوله البيان الذى سيصدره الجيش المصرى بمناسبة انتصاره الساحق على الشعب المصرى الثائر .
قد يقول البيان ما يلى :
(إنتصر الجيش المصرى الشريف المقدام على الشعب المصرى الفوضوى الخائن المشاغب الناكر للجميل والعميل لمنظمات حقوق الإنسان الغربية ..
لقد كانت معركة متكافئة بين الجيش المصرى والشعب المصرى،ولكن الجيش المصرى الباسل انتزع النصر ببطولة منقطعة النظير .
لقد استعمل الشعب المصرى الخائن والعميل كل ما لديه من دروع بشرية واحتمى بأطفاله ونسائه وجدران بيوته، بينما تقدم بعض أفراده يرشقون جنودنا بالطوب والحجارة ، وبعضهم كانوا يحملون زجاجات الملوتوف الحارقة ـ المحرم استعمالها دوليا ـ لتحرق دبابات ومدرعات أبطالنا البواسل من أبناء القوات المسلحة للجيش المصرى. ولكن زحفت طلائع القوات المسلحة معززة بنصف مليون من جنود الأمن المركزى بمدافعهم الرشاشة وقنابلهم اليدوية وبمدرعاتهم وآلياتهم ومدافعهم ومعهم حشود من الفرق الصاعقة والفرق الفدائية والفرق الخاصة والفرق المدربة على فنون القتال والكاراتية والمصارعة ومعها أسلحتها الرشاشة و الميكانيكية فالتحمت فى معارك مباشرة مع المشاة فى الشوارع وألجأتهم الى التحصن فى بيوتهم ، ولكن جنود الجيش المصرى البواسل الأبطال اقتحمت البيوت واشتبكت معهم داخلها وتمكنت من أسر ما تبقى منهم أحياءا..
وفى نفس الوقت وبناء على أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة وبناء على خطة أعدها وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة واركان حرب القوات المسلحة تحركت إثر قوات الأمن المركزى القوات المسلحة للجيش المصرى بكل فروعها والفرق التابعة لها وبكل أسلحتها الهجومية من مشاة ودبابات وصواريخ وطائرات ، وتبعها الحرس الجمهورى بكل آلياته وطائراته وصواريخه بينما وقع على عائق سلاح المهندسين تدمير المنازل التى يختبىء بها هذا الشعب العميل ، ورصدت أجهزة المخابرات أماكن إختباء قادة الشعب المصرى العميل وقامت بالتسلل إليهم وقتلهم .
ولتأكيد الإنتصار فقد التحمت القوات الخاصة من الصاعقة وغيرها فى معركة حامية الوطيس مع فلول المنهزمين من مدافعى الشعب المصرى العميل الذين ظل بعضهم مختبئا فى المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والأزقة والحارات والحقول والمصانع والآبار والمقابر والأحواش. وقد تعذر الوصول اليهم جميعا ، ولكى يتم تطهير الأرض منهم ولكى يتم القضاء النهائى على كل مقاومة محتملة فى الجحور والأزقة التى اختفى فيها مقاتلو الشعب المصرى العميل فقد اضطرت القوات المسلحة المصرية إلى إستخدام أسلحة الدمار الشامل الكيماوية .
وجدير بالذكر أن كل البطولات التى حققها الجيش المصرى كانت تستمد فى شرعيتها من قانون الطوارىء وتستهدف إستتاب الأمن واستقرار نظام الحكم والحرص على مكتسبات اهل الحكم ، وعن طريق هذا النصر العظيم- الذى باركه شيخ الأزهر – استتب الأمن فى ربوع مصر كلها فأصبحت مصر تنعم بالاستقرار التام ، وتم القضاء على الشعب المصرى العميل وحل محله مجلس الشعب المصرى الكريم ..) .
أخيرا :ـــ لا يزال هناك أمل فى شرفاء القوات المسلحة ..!!
هل يمكن أن تنتهى مصر إلى هذا المصير ؟!! هل يمكن أن يظل الجيش المصرى سادرا فى غيه حاكما لمصر وليس خادما لمصر وحارسا لأمن مصر ؟!.
حين نقول ( الجيش المصرى ) فاننا نقصد بالتحديد تلك القيادة الفاسدة المستبدة التى تستخدم القوات المسلحة المصرية فى قهر واذلال و الاستبداد بحكم مصر والشعب المصرى.وهى تفعل ذلك منذ 1952 .
وكل مصرى مخلص لوطنه يتمنى ألا يستمر هذا الوضع .كل مصرى مخلص لوطنه لا يزال يراهن على وجود شرفاء فى القوات المسلحة تقوم بالتغيير و تخليص الجيش المصرى من هذا العار الذى الحقته تلك القيادات به منذ 1952 وارجاعه الى مهمته الأصلية حارسا للشعب المصرى وخادما له ولتطوره الديمقراطى. وعلى عاتق هؤلاء الشرفاء من أبناء القوات المسلحة المصرية يقع عبء تحرير الجيش المصرى من الخونة المتحكمين فيه ، لأن تحرير الجيش المصرى من تحكم هؤلاء الخونة هو أسرع طريق لتحرير مصر نفسها .
وقد يكون هذا المقال موجعا فى جرأته ،وقد يجلب على كاتبه المزيد من المصائب ولكنها كلمة حق لابد من أن تقال لإنقاذ سمعة مصر وشعبها قبل فوات الأوان
وفى النهاية ... هى مجرد كلمة ... ولا يكون الرد الحضارى عليها إلا بمثلها . )
0 التعليقات:
إرسال تعليق